Monday, January 11, 2010

الشعر الشعبي والمراة

30/08/2009


لتحميل النص اضغط هنا

الشعر الشعبي والمراة

باسل بزراوي

إن تسمية هذا النوع من الشعر بالشعر الشعبي لتدل على أن هذا الشعر يصدر عن الشعب ويصدر عن وجوده ونمط حياته، فهو شعبي في وجوده، شعبي في أشكاله المختلفة، شعبي في مضامينه حيث بدا على سطح المجتمع في بكل ابعاده وجوانبه. ولقد عالج الشعر الشعبي ظواهر كثيرة على سطح المجتمع الفلسطيني، وسنتحدث في الصفحات التالية عن نظرة الشاعر الشعبي للمرآة وكيفية عرضه لقضية غلاء المهور التي تعتبر قيدا قاسيا ادمى معصميها على كل العصور. وقد أدرك الشاعر الشعبي حقيقة الدور الذي يجب عليه تأديته في هذا المجال واهمية الموقف الذي يجب عليه ان يقفه في عرضه لهذه القضية.

لقد عانت الفتاة العربية القهر والاستبداد على مر العصور، حيث قيدت بقيود العادات والتقاليد الموروثة، تلك العادات التي وضعت المراة في غير مكانها الحقيقي، ولسنا بصدد الحديث عن وضع الفتاة العربية، بل نريد أن نظهر ملامح الرفض في الشعر الشعبي لواقع الفتاة من خلال بعض القصص الشعرية المتوافرة، والتي تعرض جزا من مشاكل الفتاة.

يا مهما نسيت ما بنسى هواك بقلبي بتنعشوا نسمة هواك

وما بنساش أيام العريشة في سطح البيت قربك يا ملاكي

وتحملنا الليالي مثل الريشة مع الأحلام في مجلس

عشت فيها ومعي كنت تعيشي مثل طيرين رفوا في سماك

وأمانينا خضر مثل الحشيشة مع النجمات راح تزهر في سماك

وهناك تداخل واضح بين أوصاف الفتاة والأرض، بحيث يسمو الوصف عن المعاني الحسية المادية(الوصف الحسي) إلى هذا النوع من الوصف الذي يجسد العلاقة الجدلية بين الأرض والفتاة، لان هذه وتلك حملان معنى وجود الإنسان. يوجد عدد غير قليل من قصائد الشعر الشعبي التي توضح هذا المزج، كما أن الشاعر الشعبي في معظم الأحيان عندما يهيم في بحر الغرام يجعل من العرائس والبيادر مسرحا لهذا الغرام، تأكيدا لما ذكرنا.

ولقد خطا الشعر الشعبي خطوة كبيرة إلى الإمام، في موقفه من الانسانة عندما اخذ يتناول بعض القضايا الهامة في حياتها، مثل استغلالها، وقضية المهر التي تتخذ في بعض الاحيان وسيلة للحيلولة دون شعورها بقيمتها. ولنا ان نثبت قصيدة طويلة للشاعر ابي بسام الحلماوي حيث عكست هذه القصيدة الموقف الرافض لاستعباد الفتاة واستغلالها والداعي لتحريرها، اجتماعيا واقتصاديا:

مرت علي قصة عن غني الا يجمع المال ما هو معتني

مر الزمان وكل سنة تتبع سنة ما بدو يشبع والذهب عنده أكوام

الخير عمره بزمانه ما اقترب كل انشغاله بالجواهر والذهب

الموت عمرو بزمانو ما اقترب تايحن ع المحتاج بلقمة الطعام

عايش بها الدنيا بلامبدا أو ضمير ما كان يعطف في زمانوع فقير

عندو صبية تشبه البدر المنير مبشنقة بمنديل عز واحتشام

هلبنت هلي تربت بعز ودلال اخلاقها بالفعل آية من الكمال

متعلمة في علمها صارت مثال لكن أبوها عليها جاني يا حرام

قالت يا ابوي بدي اروح الجامعة بشهادة التوجيهي مني قانعة

بدكترة أو صيدلة أنا طامعة حتى أنال المجد أو وكل الاحترام

قال لها دكتورة شو هذا المقال الصيدلة كثير تجيب الك مال

توظفي يا بنتي تانجمع المال حتى بدرب الغنى نمشي للإمام

ما اقتنعتش هالبنت بس تاففت قدام ابوها ما حكت بس تلطفت

طلبت وظيفة وبعد جمعة توظفت وكل يوم صارت بدري تنزل ع المدرسة

صارت تداوم هالبنت في المدرسة تخصصت بالجبر وعلم الهندسة

لكن لو انهى في البساط السندسي بتشوف انوا الحظ خالفها وظلم

عن هالبنت واخبارها شاع الخبر إنها جميلة ومثل درة من الدرر

تقدموا الخطاب مثل زخ المطر ومن قلب ابوها العطف مات وانعدم

من كثر ما براتبها عندو طمع بحيث انو عالطمع قلبوا انطبع

بفكرة عدم جيزتها يا ناس اقتنع وحكم عليها بظلم حكموا وما رحم

كبرت البنت والحزن معها كبر تشوشت اراءها وحار الفكر

بدون الزوج شو نفع حتى التبر بتشوفوا عادياتها مثل الحمم

اعتبروا من كل هالقصة يا عباد ان الطمع بجذب مآثم مع فساد

ووجود هذا الصنف يا ناس في أغلى البلاد من حبهم للمال صرحك انهدم

البنت نصف المجتمع بهالوجود لا بكبلوها بالسلاسل والقيود

بكل محفل لازم تثبت وجود وان تركت هالمصير يقرره

بصير وجود البنت مثل العدم

فهذه القصة التي حاك خيوطها شاعرنا الشعبي بهذه العبارات البسيطة التلقائية، تصور واقعا نراه دائما في القرى الفلسطينية، وهي وان كانت كذلك فإنها تعبر عن الموقف الحازم والعازم لتحطيم القيود التقليدية البالية، وثورة عارمة على العادات التي تطفوا على سطح المجتمع طفو الأجسام الغريبة على سطح الماء. والقصيدة ككل تبين لنا شريحة من الشرائح الاجتماعية الموجودة في المجتمع الفلسطيني والتي تطمع في جمع المال وكنزه، وحرمان الكثير من الفقراء من رؤيته. ولم تكن مصادر هذه الكنوز باشرف من هؤلاء الذين وصفهم الشاعر، لأنهم يجمعونها من على اكتاف الآخرين. وتصوير الشاعر لحال هذه الفتاة البائسة وحال أبيها المجرم الطامع هو تعبير عن الامتعاض من تصرفات وممارسات هؤلاء الذين قيدوا الفتاة بقيود الطمع، وهو بالتالي محاولة للقضاء على مثل هذه الظاهرة والخلاص منها خلاصا نهائيا، حيث يطلب الشاعر من الناس ان يتخذوا من هذه القصة عبرة لهم في كيفية تعاملهم مع الفتاة، فالطمع كما يقول الشاعر يجلب المآثم والفساد والظلم للمجتمع وان وجود الطامعين في أغلى البلاد يشكل معول هدم في الصرح الاجتماعي. فالفتاة جزء من المجتمع بدونها يفقد المجتمع استمرارية البقاء، حيث أنها أم الأجيال ومربيتها. فالشاعر لا يقرا أي منطق يكبل ابدي الفتاة ويريد لها ان تثبت وجودها في كل محفل وتشارك الرجل في كل المجالات. وما ان وصل الشاعر إلى نهاية القصة حتى تطرق إلى تقرير مصير الفتاة الذي لا يمكن ان يكون بيد الغير، بل يجب ان يكون بيدها هي، وألا فسيكون وجودها مثل العدم.

ان هذه القصة لتعبر عن الموقف المبدئي الذي يقفه الشعر الشعبي الفلسطيني من المراة، على أيدي طلائع هذا الشعر في بلادنا، ويمكن التأثير في تلك الصورة الكاريكاتورية التي رسمها الشاعر للأب الطامع، وفي ما يحيط الفتاة من الحزن والأسى بسبب قيود الأب.

وإضافة إلى هذا فقد تطرق الشاعر الشعبي إلى غلاء المهور، تلك الظاهرة الاجتماعية القبيحة التي سيطرت على بعض العقليات التي تؤمن بان الفتاة ما هي الا سلعة تباع وتشترى بالأسواق، حيث قام ممثلوا هذه العقليات المتحضرة تاريخيا وانطلاقا من واقعهم الاجتماعي والاقتصادي بتدشين أول اعتراف لهم بقيمة المراة، حيث ان قيمتها في المجتمع تعادل وتساوي قيمة المبلغ الذي يسمى" المهر" فإذا ما وصل المهر ألف دينار مثلا فان قيمة العروسة تساوي فقط ألف دينار، وهكذا فقيمة الفتاة حسب وجهة النظر تتوقف على مقدار ما يدفع من المهر... فهذا الانحطاط الاجتماعي الذي وصلت إليه هذه العقليات قد أثار الشاعر الشعبي وحمله على رفض ما يدعى"غلاء المهر".

وقد نادى شعراء الشعر الشعبي إلى إلغاء المهر وتدارك المشاكل المترتبة على ذلك، لان المهر في ذاته يسلب الفتاة إنسانيتها ويجسد فكرة دونيتها وكونها سلعة يبيعها الأهل مقابل قبض ثمن " المهر" وهنا يقرر الشاعر الشعبي لعدة أمور أهمها:

1.ان غلاء المهور ما هو الا مشكلة أساسية يعاني منها الشعب كله، حيث تحولت قضية الزواج إلى تجارة تعز بمكانة الفتاة وهذا ما يترتب عليه إشكالات كثيرة.

2. السقوط الاجتماعي الذي يصل إليه البعض عندما يتجاهلون أو يجهلون دور الفتاة في اختيار الزوج وتقرير مصيرها بمفردها دون ممارسة الضغوط عليها.

3. ان كثرة الشروط الذي يثقل بها الأهل كأهل النسيب الجديد تعمل بهذه الطريقة أو تلك على تقطيع الأواصر الاجتماعية بين أبناء الشعب الواحد، فضلا عن أنها توقعه بمشكلة مادية تسلمه إلى عدد من المشاكل الاجتماعية في المستقبل.

وعلى هذا الأساس نرى ان الشاعر قد ثار على هذه الظاهرة المستفحلة في المجتمع، لأنها ذات مساوىء كثيرة لا تعود الا بالضرر على هذا المجتمع، ومن هنا كان أساس ثورته عليها، فضلا عن أنها تنفي دور الفتاة حتى في اقرب الأشياء عليها واخصها بها، وهي قصة الزواج المصيري.

لقد أدرك الشاعر الشعبي ان فهم هؤلاء لحقوق المراة لا يتعدى تفضيل "الذين على اللواتي" فراح ينادي بتحرير "اللواتي" من قيود" الذين" لا يهمهم سوى خزن الدنانير والذهب، ويشد على أيدي هؤلاء الذين يبذلون قصارى جهودهم يوميا لتحرير النساء من هذه القيود: اقتصاديا واجتماعيا، فغلاء المهور قيد، وتكميم فم الفتاة قيد أيضا. فالمتضرر الأول والأخير هو الفقير من جراء فرض هذه القيود على الفتاة، وفضلا عن كون هذه الظاهرة قيدا على معصمي الفتاة فإنها تخلق المشاكل كالانحلال الخلقي والتفكك الاجتماعي" يحيد عن درب الصواب" الذي سيودي بحياة المجتمع.

ولذا فقد رفض الشعر الشعبي هذه الظاهرة لما لها من مساوىء كثيرة على المجتمع الإنساني ودعا إلى إيجاد الحلول المناسبة لها، كي يخلص الشباب من كل المشاكل المفروضة عليهم من قبل الآباء ذوي العقليات القديمة. وقد صور الشعر الشعبي هؤلاء الآباء المقيدين المجتمع بقيود التخلف، على أنهم أقاموا معارض التسويق البضاعي والإغراء من اجل القبض على روح الإنسان الذي يسقط بين أيديهم:-

من مبسوط بالحياة غير اللي عندو بنات

عمل تسويق وإغراء بدوا يلملم جنيهات

اللي بنتو عمرها جمعة بعمل لها اكبر سمعة

للخاطب روحه وطلعة جيب مصروف ونثريات

عايش عيشة هنية اللي عنده البنية

لو كانت حلوة شوي يوسع جيبه لليرات

اللي عنده ما بعوز شغلة الا عليها فلوس

عمرو مكرم ومعزوز بس شاطر بكلمة هات

لما الشباب يشوفوها يتواردوا بخطبوها

وان فتحت دار ابوها سفر سبع ثمن ساعات

اللي بعمل بنتو تسويق يذكرها بعهد الرقيق

يصير يدور عالرقيق ما بلاقي الا الليرات

الفقير والحقير صار يزعق كالحمير

بتلاقي الأب الطماع جاعلها زي المتاع

المهر بدو ليرات ومتاع ذهب رشاوي وليرات

يعمل تسويق وإغراء بدو يلملم جنيهات

لولا بنتو منين يصير تا نواديلو وجاهات

هذه القصيدة تصور ذلك الأب الذي يطمع بالليرات والذهب فتحمل صاحبها على إغراء الشباب ليتواردو لخطوبة ابنته حتى يثقل كاهلهم بأعباء المهر والشروط الكثيرة التي بفرضها عليها، فقد نزل هذا الأب بابنته أو عاد بها إلى عهد الرقيق حيث أصبحت كالأمة التي تباع وتشترى.

وعلى هذا نجد ان الشعر الشعبي قد وقف بجانب المراة وناضل معها نضال الحر عندما رآها تئن في سجن الحياة وترسف في القيود. ولقد تطورت نظرة هذا الشعر للمراة تطور ملحوظ مع تطور التفكير الفلسطيني بخصوص المراة التي شاركت الرجل الفلسطيني في أقسى الأعمال.

No comments:

Post a Comment